Tuesday 29 March 2011

أريد زوجا






التقيتها صدفة بعد سنوات من الغياب في أحد المؤتمرات العلمية. كان آخر عهدي بها على مقاعد الدراسة، أيام الجامعة. في تلك الفترة كانت قد تعرفت على أحد الشبان و تمت خطبتها. سمعت فيما بعد أنها تزوجت في الصائفة الموالية لتخرّجنا و إن لم تكن قد وجهت إلي الدعوة. قبل أن أبادرها بالتهنئة حانت مني التفاتة إلى البطاقة التي تحمل اسمها و التي علقتها على صدرها. لم تكن قد غيرت لقبها العائلي. نظرت إلى أصابع كفها اليسرى علني أجد دليلا على زواجها في بنصرها، لكنها لم تكن تلبس خاتم زواج، بل أن خاتم الخطبة الذي كانت تتباهى بأحجاره الماسية كان قد اختفى. ارتبكت... هل أهنئها أم أحجم؟ ماذا لو كانت تهنئتي في غير محلها؟ بعد تردد قصير، بادرتها بالسؤال عن الأحوال و كل جديد في حياتها. فلم تتردد هي، أخبرتني بأنها انفصلت عن زوجها منذ أكثر من سنتين، و قد حصلت على حكم الطلاق منذ فترة وجيزة... كانت تحاول التماسك و التظاهر باللامبالاة، لكن لم يخف علي انكسارها و ما خلفته تلك التجربة المريرة في نفسها من جراح.

حين ابتعدت عنها كان في نفسي بعض الحزن من أجلها. عادت إلى ذهني بعض الذكريات القديمة، حين التقيت خطيبها للمرة الأولى... كنت أهم بطرق باب غرفتها في السكن الجامعي حين وجدت الباب يفتح. رأيته يخرج من عندها مبتسما ويقف منتظرا أن تقوم هي بتعريف أحدنا بالآخر. رأيت علامات الارتباك على وجهها، و لمحت هي حمرة الغضب في عيني. و حال دخولي إلى الغرفة رأيت بقايا الأكل على مائدة الطعام. كانت قد دعته على الغداء، و طبخت له الأصناف التي يحبها. صرخت في وجهها :
ـ دعوته على الغداء في غرفتك؟ أنت و هو و لا أحد غيركما؟

هتفت مطمئنة :
ـ لا تخافي... لم يحصل بيننا شيء !

تنهدت في مرارة. ربما كانت هي ترجو أن يحصل شيء ما في تلك الخلوة؟ ربما... لكن أيا من جهودها لم تكن قد أثمرت بعد. قالت في خيبة :
ـ أرجو أن يتقدم لخطبتي قبل نهاية العام... نحن متفقان كثيرا، لكنه لم يصارحني بعد برغبته في الارتباط. كنت أتمنى أن تفك جلسة اليوم عقدة لسانه...

ألقيت نظرة من حولي. نعم من حقها أن تتمنى ذلك، فجهودها في ترتيب المكان و تهيئته كانت جديرة بالثناء. و لم تكن مجهوداتها في تجميل وجهها و هندامها بأقل منها. أمسكت بيدها و دعوتها إلى الجلوس و أنا أقول في رثاء :
ـ لماذا تفعلين كل هذا؟ لو كان راغبا في خطبتك لما احتاج إلى تشجيع من طرفك. كوني غالية في نظر نفسك لتكوني غالية في عينيه !

أخفت وجهها بين كفيها و هي تجهش بالبكاء :
ـ لم أعد أستطيع التحمل. أريد زوجا ! الوحدة قاسية، و الناس لا يرحمون. حين أعود إلى منزل والدي في الأجازات، فالسؤال الوحيد المتكرر من نساء العائلة هو : متى نفرح بزواجك؟ مع اقتراب تخرجي أصبح ذلك هو الشغل الشاغل للجميع، لا ينتظرون سوى أن أبشرهم بالعريس، كأنه النتيجة الطبيعية لحصولي على الشهادة الجامعية... فإن لم يأت العريس إلي، فعلي أن أجلبه بشتى الوسائل !

لذلك حين انفكت عقدة لسانه و قرر خطبتها أخيرا، كانت في غاية السعادة. خاصة أنها وجدت في شريكها كل الصفات التي تحلم بها... حسب و نسب و ثراء و وسامة، كما أن عائلتها كانت متحمسة للصفقة ـ أقصد الزيجة. أذكر حينها أني سألتها عن مستوى التزام خطيبها الديني و إن كنت قد أخذت فكرة مسبقة من لقائنا الأول. لم يكن بالملتزم، لكنه شاب مستقيم و من عائلة محافظة... هكذا وصفته. هي لم تكن بالملتزمة دينيا أيضا، لكنها كانت تحاول الانضباط في الصلاة و حين تحدثنا ذات مرة عن الحجاب قالت أنها تفكر في الأمر لكنها غير مستعدة بعد. ظننت حينها أنهما متكافئان من الناحية الدينية، و من يدري، لعل أحدهما يأخذ بيد الآخر و يرتقيان معا...

بعد فترة وجيزة، كنا نستعد مع بعض الطالبات الأخريات للذهاب إلى صلاة التراويح. جاءت تستعير وشاحا و ملابس فضفاضة مني. و بعد أن لبستها، نظرت إليها مبتسمة و أثنيت على شكلها في تلك الهيئة... لكن بدل أن تظهر علامات الانشراح على وجهها انقلبت سحنتها و هي تقول :
ـ لقد صرفت النظر عن الحجاب على أية حال... فخطيبي ضده تماما...

نظرت إليها في دهشة :
ـ خطيبك ضده؟ هل يعني ذلك أن رغباته ستصبح مسلمات لديك حتى إن كانت متعارضة مع قناعاتك؟ راجعي نفسك جيدا قبل المضي في مسألة الارتباط، فربما لا يكون الشخص المناسب لك، و ربما كانت توجهاتكما مختلفة بصفة حادة مما يكون سببا في مشكلات عميقة في المستقبل...

قاطعتني بلهجة حاسمة :
ـ توجهاتنا ليس مختلفة بالقدر الذي تتصورينه... فأنا كنت مترددة بشأن الحجاب و لم أكن على اقتناع تام، و موقفه ساعدني على اتخاذ القرار... لا غير.

تمنيت في قرارة نفسي أن تنفصل عنه. كانت في حاجة إلى من يشجعها على الالتزام، لكنها وقعت على من يشدها في الاتجاه المعاكس. و جاءت صور حفل الخطبة لتؤكد توقعاتي. كانت تريد زوجا، و كانت مستعدة لتقديم أية تنازلات حتى تحصل على صورة لامعة في ثوب الزفاف الأبيض و إلى جانبها رجل وسيم يثير حسد قريباتها. و ها أنها قد حصلت على كل ذلك، لكن لفترة وجيزة. لم أسألها عن أسباب الانفصال حتى لا أنكأ جراحها، لكن الشكل الذي رأيتها عليه في المؤتمر يجعلني أستبعد أن تكون القناعات الدينية قد لعبت دورا فيه.

أدعو لها من كل قلبي أن تجد طريقها و أن تستيقظ من غفلتها بعد تلك التجربة المريرة. صحيح أن الوحدة قاسية، لكنها بلا شك خير من شريك السوء...

إن من يترك طاعة الله في سبيل رضا البشر، لا يمكن أن يرزقه الله البركة، لكن من يترك شيئا لله يعوضه الله خيرا منه.

12 comments:

  1. Enfin you're baaaaaaaack ! à notre plus grand plaisir (je sais que chui pas la seule :D ) très bon article, excellent style, je t'en félicite !

    ReplyDelete
  2. Apparemment tout le monde ne partage pas ton avis (du moins celui ou celle qui a voté "ennuyeux" :p). J'avoue qu'il ne s'agit pas d'un retour en force, mais j'essaye de me remettre à l'écriture, et toute critique constructive est la bienvenue :)
    Merci Prima pour ton passage. Je sais que je peux compter sur toi pour m'encourage, comme toujours ;)

    ReplyDelete
  3. joli :fifi: ( ce fameux smiley qui cache pleins de choses mystérieuses derrière :p ) en tout cas j'ai aimé *-* ya3tik essa7a :)

    ReplyDelete
  4. yeeess enfinn de retour :) bon agreable et interessant comme dab, mais j'attend avec impatience une note sur ton experience de maman :))

    ReplyDelete
  5. @Lili : y3aychek rabbi y5allik :) je sais que ce genre d'expérience apporte des éléments de réflexion, et la "fifi" songeuse est bien appropriée à la situation :D

    @Anonyme : merci de faire partie du comité d'accueil :D mon expérience de maman mérite peut être tout un blog dédié à elle seule ! C'est une chose si fascinante, enrichissante et compliquée à la fois !

    PS: je me retrouverai mieux si les anonymes laisseraient des signatures à la fin de leurs postes :)

    ReplyDelete
  6. Salam
    enfin de retour! on te cherchait partout :)
    tres bel article. apres un peu d'expérience dans le domaine lol, si une personne venait à me demander conseil sur celui ou celle qui compte épouser, je lui dirai que tout le reste est éphémère, mais qu'il soit bien dans sa relation avec Dieu. c a d moultazim car avec la religion, on peut surmonter toute sorte d'obstacle et biensur on craint Dieu dans tous nos dires et gestes... et il faut qu'elle cherche bien à savoir et à apprendre sur son niveau de foi avant le mariage.
    j'espère que bcp y feront très attention avant qu'il ne soit trop tard, je veux dire avant le mariage...
    barak allahou fik y'a ouma maram
    (cmt va la petite?)
    oumou hamza :)

    ReplyDelete
  7. Chère oumou Hamza, j'ai bien reçu tes messages et j'ai posté une réponse mais visiblement elle n'est pas passée à cause d'un problème technique :(
    La petite va merveilleusement bien al7amdoulellah :)

    Tu as bien souligné le fond de l'article. Bien que ce ne soit pas évident pour une personne peu soucieuse de la religon ! rabbi yehdina !

    ReplyDelete
  8. لا أدري عن أي مجتمع تتحدثين ولكن مع احترامي لكتاباتك أسلوب الترهيب من العلاقات قبل الزواج وثقافة الحواجز إلى أن يكتب عقد الزواج لا أوافقها على المرأة أن تكون واثقة من نفسها عارفة لحدودهاالتي تحددها هي لنفسها)وأن لا تخاف من الفشل فالفشل لن يزيدهاإلا نضجا ومع ذلك أنا أيضا ضد عبودية الحب وعبودية الرغبة في الزواج لمجرد أن تصبح متزوجا أو متزوجة

    ReplyDelete
  9. @ شمس الأصيل :
    كتاباتي بطبيعة الحال تعكس أفكاري و قناعاتي, و قناعاتي تملي علي الالتزام بالحدود التي يضبطها الدين للعلاقات بين الجنسين قبل الزواج (و ليس الحدود التي تضعها المرأة الواثقة من نفسها، لنفسها) لذلك لا ريب أن كتاباتي ستكون في نفس الاتجاه، و هو ليس ترهيبا بقدر ما هو منهاج حياة بالنسبة إلي :)
    شكرا لمرورك... مع تحياتي

    ReplyDelete
  10. حبيبتى كم اشتقت اليك كثيرا . اتعلمين بأننى أنشأت حساب خاصا وسجلت بالموقع خصيصا لكى اعلق على كتاباتك .بالطبع ستدور الافكار برأسك لتحاولى معرفة من أنا...ولكن لن افصح عن هويتى للتشويق ..فلست وحدك من يجيد التشويق فكم جعلتنا نشعر بالتشويق فى رواياتك الرائعة .....احبك فى الله
    واتفق معكى فى كل ماكتبت فلا يوجد حب قبل الزواج انما هو مجرد أوهام تضيع بعد ان يكشف كل طرف للاخر مابه من عيوب ودمت بود

    ReplyDelete
  11. omg i'm realy don't know that i can image to see like this artical thxx so much for this special artical صور

    ReplyDelete