Thursday 9 December 2010

هل أنت غيورة... (3) ...؟

(3)






ـ هل أنت غيورة؟

تنهدت بقوة مع سؤالي، ثم ابتسمت. كانت تسترجع ذكرياتها. قالت أخيرا :
ـ نعم، أنا غيورة... و لي قصة طويلة مع الغيرة ! و كانت لي الغلبة في النهاية و الحمد لله...

سألتها في فضول :
ـ كيف كان ذلك؟

ـ بدأت المتاعب منذ بداية زواجي. كانت العلاقات في عائلة زوجي مختلفة عما تعودت عليه... الاجتماعات العائلية تكون مختلطة، و صداقة وطيدة تجمعه ببنات عمه و بنات خالاته. لذلك فلم يكن من الغريب أن يتصل بهن في المناسبات و الأعياد، أو يمازحهن و يناقشهن في أمور شتى. و كان ذلك يضايقني بشدة... كنت أثور و أغضب و أحاسبه على كل صغيرة و كبيرة. و كان في كل مرة يطيب خاطري و يحاول إقناعي بعفوية و براءة تلك الأحاديث. لكنني لم أقتنع... بل أصبحت أضيق الخناق عليه حتى يعترف بخطئه. حتى أثر ذلك على علاقتنا بشدة، فقد أتلفت أعصابي المشاحنات المدمرة... و أصبحت اللامبالاة رده الدائم بعد أن تعود على مزاجي السيء... فانتهى بي المطاف بأن هجرت منزل الزوجية و لذت لفترة ببيت أهلي...

قلت ملاحظة :
ـ لا شك أن ذلك زاد الأمور تعقيدا !

ابتسمت مخاطبتي و هي تهز رأسها نافية :

ـ بل كانت تلك فرصة لي لأعيد النظر في تصرفاتي، و أضع الخطة المناسبة لتدارك الأمور ! لم أكن إلى ذلك الحين قد عاينت الوضعية من زاوية نظر خارجية... فقد كنت تحت الضغط بشكل مستمر، مما منعني من حسن تدبر الأمور. فلما ارتاحت أعصابي بعض الشيء، و أدركت أن المواصلة بذات الأسلوب ستقودني حتما إلى طريق مسدود، أخذت أفكر في أساليب بديلة...

الخطوة الأولى كانت التغلب على الغضب و المشاعر السلبية. كان علي أن أصلح نفسي أولا، قبل أن أحاول التأثير على زوجي. بدأت بحصص التنفس و الاسترخاء التي كانت تساعد على تهدئة الأعصاب، و واظبت على الاستماع إلى القرآن الكريم. و لاحظت التأثير الطيب الذي ظهر على مزاجي في فترة وجيزة. كما أن الابتعاد عن مصدر الانفعال كان له دور كبير في تبديد المخزون النفسي السلبي لدي.

اغتنمت أيضا فرصة ابتعادي عن زوجي حتى أهتم بنفسي أكثر. في الحقيقة، أدركت أيضا أن من أسباب انفعالي و غيرتي، إحساسي بالضآلة أمام بعض بنات العائلة اللواتي رأيت فيهن منافسات جادات. لم تكن بعضهن يلتزمن بالحجاب، و لم يكن يترددن في إبداء زينتهن أمام زوجي و غيره من رجال العائلة. أما أنا، فقد كنت ممزقة بين البيت و العمل. حين يعود زوجي إلى البيت، أكون قد سبقته بدقائق قليلة، و لبست منديل المطبخ و شمرت على ساعدي لأهتم بشؤون البيت ! لم تتح لي فرص كثيرة بعد الزواج حتى يراني في كامل أناقتي و زينتي. و لم أكن أتزين بطبعي حين أذهب إلى العمل... لذلك فإن مؤشر ثقتي بنفسي كان في نزول مستمر.

حين أحسست بالرضا حيال ما أحرزته من تقدم بخصوص هاتين النقطتين، قررت العودة إلى بيتي لأعمل على النقطة المتبقية : التأثير على زوجي. مرت الأيام الأولى بهدوء و سلام. و تركت لزوجي الوقت الكافي حتى يستوعب مقدار التغيير الذي طرأ علي. ثم جاء اليوم الموعود... يوم اجتماع العائلة. لم أنزو هذه المرة كعادتي بين النساء المتزوجات مراقبة بعين الحسرة زوجي و هو يبادل البنات الأحاديث، بل انضممت إلى النقاش. عبرت عن رأيي بثقة و جعلت زوجي ينتبه إلى ما أقول... للمرة الأولى، ربما. أحسست بمرارة في حلقي و أنا ألاحظ ذلك. فقد اختارني لذكائي و رجاحة عقلي، لكن كأن أفكاري لم تعد تهمه بعد الزواج ! زوجي لم يكن الشخص الوحيد الذي اهتم برأيي حينها، بل وجدت ابن عمه يستدرجني بالحديث. رددت عليه بقدر معقول، ثم انسحبت قبل أن يحيد الحوار عن مساره. لم أكن أريد أن أواجه زوجي بنفس أسلوبه، بل أردته أن يدرك الفرق بين النقاش المحترم بين الرجل و المرأة، و بين ما يقع فيه من استهتار و انفلات...

كان ذلك الدرس الأول. و كانت هناك دروس كثيرة أخرى. بعد أيام، تحدثت إليه برفق و ذكرته بأن ما طرأ بيننا من خلاف سببه الأصلي ابتعادنا عن ذكر الله معا. فكان ما يجمعنا هو الخلافات أكثر من كل شيء... فوجدت منه تجاوبا. فزوجي و إن كان مقصرا، فهو حريص على العبادات محب للطاعات. اقترحت أن نواظب معا على الاستماع إلى بعض الدروس الدينية، و نصلي معا ركعتين كل ليلة، قبل الخلود إلى النوم. فقوبل اقتراحي بالترحاب. بدأت باختيار الدروس لعلماء أعلم ثقته في آرائهم و حبه لهم. و رتبتها بشكل مدروس. لم أبدأ بدروس عن حدود العلاقة بين الجنسين و غض البصر و غيرها من المسائل الحساسة التي تلمس مشكلتنا بشكل مباشر، بل بأخرى أكثر عمومية... حتى لا أثير شكوكه.

كانت علاقتنا في الأثناء قد تحسنت كثيرا، بعبادتنا المشتركة. ثم كان هناك التعديل الذي أحدثته في جدول أعمالي اليومية، فلم أعد أهرول إلى المطبخ فور وصولي من العمل، بل أغتنم الدقائق المتبقية قبل عودته لأتزين و أتعطر لأستقبله... ثم أجعله يشاركني إعداد الطعام بتحضير الطاولة، أو تقطيع الخضر... أو بمجرد الجلوس إلى جانبي بينما أهتم بالطهي، فنتبادل بعض الأحاديث العامة عن تفاصيل اليوم المنصرم. و أجعله خاصة يلاحظ ما فعلته لجلب انتباهه.

ثم جاء الدرس الحاسم، بعد أن مهدت له طويلا، و قطعت شوطا طيبا في الخطة التي رسمتها. بعد أن استمعنا إلى الشيخ يوضح حدود العلاقة بين الجنسين و ضوابط التبادل بينهما : تجنب الخضوع بالقول، غض البصر، تجنب الخلوات و الحديث في حدود الأدب و الحاجة... لبث زوجي صامتا. لا شك أنه أدرك بُعد تعاملاته عن هذه الشروط. أحسست حينها بأن شيئا ما تحرك بداخله، كأنه يهم بوقفة جادة مع نفسه. لم أعلق كالعادة، و انتظرت. بعد بضعة أيام، وجدته يبادرني و يخبرني بأن فلانة اتصلت، لكنه لم يرد على اتصالها... لأنها تضيع وقته بأحاديث تافهة في معظم الأحيان. كانت فرحتي عظيمة بذلك التحول، لكنني كتمتها في نفسي، و دعوت الله أن تكون بداية الفرج. و حين جاء موعد الزيارة العائلية، لمحت في عينيه بعض التردد. حين وصلنا، سأل عن عماته جميعا و حيى بناتهن في غير مبالغة، ثم جلس حذو جدته و لازمها يسأل عن أحوالها كأنه يعتذر عن تقصير مضى. ثم ما كان منه إلا أن جمع الشباب و دعاهم إلى جلسة رجالية في الفناء الخارجي!

تنهدت في ارتياح و هي تختم مبتسمة :

ـ كانت تلك بداية التغيير الحقيقي الذي مازلت ألمس نتائجه إلى اليوم، بعد مضي أكثر من سنتين. كان يجب أن أمد جسور تواصل حتى يبدأ الحوار الهادئ بيننا... ثم نتقرب من الله معا، بعبادات بسيطة، و نداوم عليها. تلك هي الوصفة السحرية... لا أكثر و لا أقل.


13 comments:

  1. هايلة والله عطاتني دروس ه المرا يعطيها ويعطيك الصحة

    ReplyDelete
  2. ربي يبارك فيك يا هاجر

    المسألة تبدو بسيطة عندما نصفها بالكلمات، لكن السيطرة على الانفعالات عند النساء العصبيات يلزمها برشا وسع بال و صبر و عمل على الذات.

    الخطوة الأصعب هي مع النفس، لأننا إن بدأنا بإصلاح أنفسنا، فإن التأثير على الآخرين سيكون أسهل بكثير :)

    و ربي يوفقنا جميع إلى حسن التطبيق

    ReplyDelete
  3. je suis d'accord, tout commence avec soi

    encore merci et bravo pour la trilogie :))

    ReplyDelete
  4. Si on lit cette histoire avec beaucoup d'admiration vis à vis de la sagesse et de la détermination de cette femme, c'est bien parce qu’elle a été écrite dans un style très agréable, que je trouve personnellement sincère et fidèle: on ne ressent pas que l'histoire nous a été transmise par une personne tierce; on a plutôt l'impression qu'on assiste physiquement à ce dialogue. Et c'est cette grande finesse dans le style que je salue chez notre chère تحلم .
    بالسعادة

    ReplyDelete
  5. @Venus et Toi : merci pour vos encouragements :)
    Et bienvenue encore une fois chez moi.
    Au plaisir de vous relire :)

    ReplyDelete
  6. تعامل هذه الزوجه مع الوضع و مع تصرفات زوجها، التي نشأ عليها اكيد منذ صغره، تبدو حسب رايي مثالية جدا. الشيء الوحيد ربما لضمان نجاحها هو وجود ارضية ملائمة لدى الزوج و قابلة لاستيعاب ما قامت به.
    كما ان هذه المرحلية في برمجة التغيير، و طول النفس من النادر ايجاده سواء عند المراة او عند الرجل.
    أقل ما يقال في هذه الزوجة انها استطاعت و بذكاء شديد ان تحافظ على بيتها وان تحول زوجها الى الصورة التي ترغبها.
    و كيما قالوا ناس بكري: ولدك على ما تربّيه، و راجلك على ما تسنسو :)))
    مع تشجيعاتي على الأسلوب الممتع

    ReplyDelete
  7. @illusions :
    شرفتنا بالزيارة، أهلا و سهلا :)

    بالطبع، هذا التعامل ليس بالضرورة ناجحا مع كل الرجال، بل هو يفترض أن الزوجين على نفس القدر من الالتزام الديني، مع بعض "الغفلة" أو "التقصير" من طرف الزوج، أو أن تكون العادة و التقاليد تركت فيه أثرا بمرور الوقت... لسنا نتحدث عن الوضعية التي يكون فيها الزوجان على اختلاف تام من حيث المبادئ و الأولويات. ففي تلك الحال لا مفر من الانفصال، لأن الارتباط قائم على أسس خاطئة منذ البداية !

    النقطة الثانية هي طول النفس و السيطرة على الأعصاب. بالتأكيد ليست بالمهمة السهلة. لكن إن تعلقت همة المرأة بذلك فهي قادرة عليه لا ريب. هذا يذكرني بقصة المرأة التي طلبت وصفة سحرية من أحد الحكماء حتى تتغلب على مزاج زوجها السيئ، فطلب منها إحضار شعرة من رأس أسد. فكانت تذهب كل يوم إلى حديقة الحيوان و تلاعب الأسد و تتقرب إليه، حتى تمكنت بعد مدة من كسب ثقته فتركها تأخذ شعرة من رأسه. فقال الحكيم : إن كنت قادرة على ترويض الأسد لأخذ الشعرة، فأنت قادرة على كسب ود زوجك لا محالة!

    شكرا لك مجددا، و أرجو أن نراك كثيرا على هذه الصفحات :)

    ReplyDelete
  8. comme d'hab, on lit et on apprend, d'ailleurs ce qui est en rouge c'est ç retenir madame c'est ça ? :D

    un schéma idéal et tellement pragmatique, espérons pouvoir l'appliquer un jour ^^

    PS. ayya winek ? famma saison 4 wala lé ? :5obza:

    ReplyDelete
  9. بالضبط، هاك فهمت الدرس :))
    اللهم أرنا الحق حقا و ارزفنا اتباعه و أرنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه
    المعرفة وحدها غير كافية... يلزم التطبيق، و الله المستعان
    مازلت مترددة على الفصل الرابع... نحط خاتمة و عبرة و إلا نخلي القارئ يختم وحدو
    :))

    ReplyDelete
  10. عزيزتي أم مرام
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    ألف مبارك افتتاح المدونة
    بالنسبة لموضوع الغيرة فأنا أرى أن عدد الحلول هي بعدد الرجال أنفسهم..ذلك أن كل رجل يختلف بطبعه وخلفيته إلخ...
    بالنسبة لي رأيت أن أحسن طريقة هي (ضع نفسك في مكاني)، وذلك بالتأكيد حتى لا أقع في الحرام..فإن رأيت منه ما يسيئني ألجأ إلى الحوار الهادئ..ثم أسأله مباشرة:
    هل تقبل أن أفعل أنا هذا مع فلان؟ والنتيجة:شرود..ثم اعتذار;)
    على كل..الغيرة هي من أهم مميزات السنة الأولى من الزواج..ثم تخف حدتها بعد ذلك..هذا رأيي :)

    يا ريت تطمنينا على صحتك في التاسع :)

    ReplyDelete
  11. اميره امام الفقي17 December 2010 at 16:19

    ماشاء الله راااااااائعه يا ام مرام :)
    تسمحيلي انشرها وطبعا باسمك(ام مرام )اذا تحبي:)

    ReplyDelete
  12. عزيزتي إيمان، شرفتنا بالزيارة... أهلا و سهلا بك :)
    جزاك الله خيرا على التهنئة، و إن شاء الله نراك كثيرا بيننا
    للأسف، حل (ضع نفسك في مكاني) لا يعمل مع كل الرجال! فهناك من يفرق بين الرجل و المرأة في هذا المجال... فيجوز للرجل أن يتقبل المكالمات من الزميلات، لكن لا يليق بالمرأة أن تتلقى الاتصالات... و هلم جرا :)
    إن كان هذا الأسلوب ينفع مع زوجك فهنيئا لك :))

    أنا الحمد لله في صحة و عافية، و أنتظر مجيء مرام بين لحظة و أخرى... مع أنني مازلت في بداية التاسع :))

    ReplyDelete
  13. عزيزتي أميرة، مشكوووورة على الزيارة :)
    و المدونة كلها تحت أمرك يمنك أن تنقلي منها ما تشائين، و أنا لا أشك في أمانة نقلك :)

    ReplyDelete