Monday 20 December 2010

رصيدك يساوي صفر







كم أصبح رصيدي اليوم؟

رنت في رأسي الكلمات و أنا أقف أمام المصرف الآلي و أضغط على الأزرار مكونة الرقم السري لبطاقتي البنكية.  فاجأني الرصيد المنخفض الذي ظهر على الشاشة، فسارعت بطلب كشف دقيق للمعاملات المالية الخاصة بحسابي الشخصي طيلة الشهر الأخير. انتظرت إلى أن طبعت الآلة قائمة السحوبات و المصاريف، ثم أخذت أراجعها بدقة و تركيز. كان أملي كبيرا بأن أقف على خطأ ما أو على سحب مخالف لأرفع شكوى إلى البنك مباشرة... لكن أملي خاب و تحولت دهشتي إلى إحباط حين وجدت كل المعاملات سليمة. كنت أنا من قام بكل تلك السحوبات الصغيرة... و كل تلك الطلبات التي تم دفع ثمنها بالبطاقة البنكية، كنت أنا من طلبها دون شك !

طويت الورقة و وضعتها في محفظتي، و انصرفت متفكرة. أشياء كثيرة، نحسبها صغيرة و بسيطة لكنها بتراكمها تترك أثرا كبيرا. كم من مرة وقفت محتارة أمام فاتورة المشتريات الخيالية التي تتعارض بشدة مع محتويات العربة التي لا تتعدى اللوازم الأساسية و الأولية التي لا يستغنى عنها في كل بيت... و كم من مرة تملكني الارتباك و أنا أتطلع إلى حافظة نقودي التي فرغت دون أن أشعر، بعد جولة بسيطة في السوق...

ثم ذهبت أفكاري إلى مسائل أخرى، من نوع مختلف. ماذا عن تلك الصديقة التي قطعت علاقتي بها، بعد اختلاف بسيط طرأ بيننا؟ هل كان سبب ابتعادي عنها و مسحها من خارطة علاقاتي ذلك النقاش الأخير الذي تمسكت خلاله كل منا بموقفها دون أدنى تنازل؟ ليس الأمر كذلك... فقد بدأ السحب منذ فترة طويلة. نعم، كان رصيدها العاطفي لدي يتضاءل باستمرار. عبارة غير مستساغة من هنا، و ملاحظة سطحية من هناك. ثم بعض الاختلافات في وجهات النظر التي تخفي وراءها تباعدا في المرجعيات... ثم كانت القطرة التي أفاضت الكأس.  ربما كان بإمكاني المحاولة، لأفهمها و نصل إلى منطقة مشتركة، لكنني لم أفعل. تركتها ترحل ببساطة. هكذا و دون مقدمات، وجدتني أتكاسل في الاتصال بها و قد أرد على اتصالاتها بفتور. ثم انقطعت عني أخبارها... فلم أقلق و لم أفكر فيها. كأنها سقطت فجأة من قائمة اهتماماتي. و حين اكتشفت القطيعة الحقيقية التي حصلت بيننا، لم أهتم كثيرا. فقد كان رصيدها لدي قد وصل إلى الصفر بالفعل...

و ماذا عن رصيدي لدى الآخرين؟ كثيرا ما تصدر عنا ردود فعل نخالها بسيطة و بدون نتائج تذكر لكنها بتكرارها و تراكمها قد تترك أثرا سيئا عند الغير... رنت صفارة الإنذار في رأسي بصوت حاد. خطر ببالي زوجي، ذلك الشخص الذي أتعامل معه أكثر من أي كان... و الذي تهمني علاقتي به أكثر من علاقتي بأي كان ! كم مرة أجبته بجفاف و هو يسألني عن مكان إحدى الحاجيات في البيت؟ و كم مرة انصرفت عنه عابسة حين يواجهني بنقد رقيق؟ كم مرة تهربت من الاتصال بوالديه مختلقة أعذارا واهية؟ و كم مرة أبديت خيبتي و هو يقدم إلي هدية لم تكن في مستوى توقعاتي؟ و كم و كم و كم؟

أحسست بالدماء تغيض عن وجهي. ما حال رصيدي لديه الآن؟ كم بقي لدي قبل أن تنفد مدخراتي؟ هل بإمكاني أن أتدارك الوضع قبل أن نصل إلى طريق مسدود... إلى رصيد يساوي صفر؟ علي أن أجد حلا لأرفع الرصيد العاطفي من جديد ! أوقف السحوبات؟ لكن ذلك لا يكفي... فالأرصدة البنكية في حاجة إلى تزويد مستمر بالإيداعات لتحمّل المصاريف. لذلك علي بالإيداع في رصيدي العاطفي ما يكفي للتغطية على السحوبات المتواصلة...

في ذلك اليوم، حين عاد زوجي من العمل، وجدني أستقبله بابتسامة عريضة. هل كانت نظرة دهشة هي ما لمحته في عينيه و أنا أهب لأنزع عنه معطفه و آخذ منه حقيبته؟ ذلك المساء، لم أنغمس في تصحيح اختبارات طلبتي و نحن نجلس سويا أمام التلفاز. تركت العمل جانبا و أنا أذكر عتابه السابق بخصوص تنظيم أوقاتي عملي، و جلست أستمع في اهتمام إلى حديثه عن يومه الذي مضى. اجتهدت حتى لا أقاطعه كعادتي و أحول الاهتمام إلى أحداث يومي... ثم علقت بكلمات قليلة دون ثرثرة، و الابتسامة لا تفارق شفتي. لم أتذمر حين طلب مني أن أصب المزيد من الشاي في كأسه... الإبريق كان أمامنا على المائدة، و كنت أجد لذة غير معهودة في خدمته. فيما بعد، حين لمحني أتحدث على الهاتف، لم يحاول الإنصات و لا معرفة المتحدث... لكن حين اقتربت منه مبتسمة و مددت إليه السماعة، طالعني في استغراب، و تحول استغرابه إلى سرور و هو يستمع إلى صوت والدته من الطرف الآخر...

لم يكن علي أن أفعل الكثير حتى تكون أمسيتنا تلك من أجمل الأمسيات بيننا. كلمة طيبة، و ابتسامة و مبادرة لطيفة... أحسست على إثرها بالرضا و الاطمئنان. كنت أضع المزيد من الإيداعات في رصيدي. و لم يكن علي إلا أن أواصل على ذلك النسق حتى أضمن الابتعاد عن الإفلاس... و بشكل نهائي.


11 comments:

  1. mon preferé :)
    sannou

    ReplyDelete
  2. سنو و بريما، يعيشكم :)
    كل ما نكتب مقال نخاف ما يكونش في نفس المستوى السابق. نفرح كيف نلقى تشجيعاتكم :) ربي يخليكم ليا
    الحمد لله الذي هدانا لهذا

    ReplyDelete
  3. wa3333 9Addach jbedt men rasidi 3and barcha nes, kima weldina zeda, w 9A3du ennes hadhom dima y7ebbuna
    Rabbi yehdina ajma3yn

    ReplyDelete
  4. j’apprécie cette mise en question de sa relation avec les autres, qui n'a que de bonnes conséquences.

    ReplyDelete
  5. ca me rappelle que je dois me remettre en question aussi et de faire un bilan complet de mes relations :D

    on ne peut qu'apprendre et en tirer beaucoup de sagesse tout au long de cette note, si seulement tout le monde est capable de faire autant !!!

    un vrai plaisir à te lire

    merci et bravo

    ReplyDelete
  6. @hajer :
    أنا عطيت مجرد أمثلة، و ركزت على الزوج لأن المدونة محورها العلاقة الزوجية. لكن عندك كل الحق... الواحد يحسب في تصرفاته مع الأغراب، لكن مع أقرب الناس ليه ما يعسش على روحه... خاصة مع الوالدين و الاخوات. ربي يغفرلنا و يهدينا

    @Lili :
    تحبك الأيام الطيبة لول :)

    @Toi :
    أهلا بك مرة أخرى :)
    الوقفة مع الذات لا يمكن تكون عندها إلا نتائج طيبة. يا ليتنا نكثر من هذه الوقفات حتى نصلح أنفسنا قدر الإمكان

    @Venus :
    هههه... إن شاء الله تكون النتائج إيجابية و الخسائر محدودة :) مشكورة على المرور و التعليق.

    ReplyDelete
  7. ما شاء الله عليكي يا أم مرام..مقال رائع كالعادة
    ظننت أنك تكتبين مقالا يوميا هنا في المدونة..لذلك عندما تأخرتي ظننت أنك قد أنجبتي بالسلامة ;)
    على فكرة الأخت هناء عبد الفتاح كتبت لكِ في منتدى عمرو خالد أنها تتمنى أن تنجبي في 1/1/2011
    ما رأيكِ؟ ;)

    ReplyDelete
  8. أختي إيمان أضحك الله سنك... لازلت في انتظار المولودة
    أسأل الله أن تأتي في وقتها و بصورة طبيعية و تكون سليمة معافاة.
    في البداية كنت أكتب بصفة يومية، لكنني لا أجد الوقت و الأفكار كل يوم للأسف :)
    دعواتك

    ReplyDelete