Saturday 4 December 2010

لماذا تزوجت؟



جاءت رفقة زوجها لتهنئتنا بالزواج. زوجها صديق قديم لزوجي، سبق و التقيته في بضع مناسبات. أما هي، فكنت أحادثها للمرة الأولى. تطرقنا إلى عدد من الأمور العامة، إلى أن قالت مبتسمة :
ـ الحمد لله أنني تمكنت من زيارتكم قبل سفري... فقد يمضي وقت طويل قبل أن نلتقي مجددا.

سألتها في اهتمام : إلى أين تسافرين؟

ـ إلى ألمانيا... تم قبولي في إحدى الجامعات هناك لأقدم رسالة الدكتوراه.

هتفت مهنئة : هذا رائع، مبارك ! إذن تسافران قريبا؟

ابتسمت مجددا و هي تلوح بكفها موضحة : زوجي لن يسافر معي... فعمله هنا كما تعلمين...

نظرت إليها في دهشة : إذن تعيشان منفصلين طوال هذه الفترة؟

قالت ببساطة : يمكننا أن نصبر لثلاث سنوات... نلتقي خلالها أسبوعا كل شهرين أو ثلاثة. فقد تعاهدنا على ألا يقف أحدنا عقبة أمام أحلام الآخر المهنية. زوجي أيضا يفكر في عقد عمل في كندا، و أنا أشجعه على الذهاب، لأن الفرصة لا تتكرر دائما...

لم أستطع استيعاب وجهة نظرها. هل تدرك فعلا بعد المسافة الفاصلة بين ألمانيا و كندا؟ سألتها مجددا و عجبي يتضاعف : و ماذا عن الأطفال؟ ماذا لو حملت في الأثناء؟

أجابت بلهجة قاطعة : الأمر غير وارد الآن بتاتا. صحيح أن زوجي يتشوق لإنجاب طفل، لكنني غير مستعدة بعد. لازلت صغيرة في السن. ثم هناك رسالة الدكتوراه و العمل. لا يمكن أن أفكر في ذلك قبل أربع أو خمس سنوات من الآن...

لا تريد أطفالا. لا تريد استقرارا. تنفصل عن زوجها لسنوات من أجل مستقبلها المهني. نظرت إليها مليا ثم سألتها في استفسار حقيقي :

ـ إذن لماذا تزوجت؟




قد تبدو ضيفتي حالة خاصة و فريدة من نوعها... لكنها ليست كذلك أبدا. بل كثيرون هم الذين يتزوجون اليوم، دون أن يدركوا الهدف من الزواج. بل دون أن يتخيلوا أصلا المسؤوليات الكثيرة التابعة لهذا العقد الاجتماعي. كأن الزواج مجرد اجتماع لرجل و امرأة، لقضاء شهوة، في إطار شرعي يبيحه المجتمع و يباركه. و قد ينسى الرجل و تنسى المرأة أن هناك قائمة حقوق و واجبات تطول و تطول...

لماذا تزوجت؟ سؤال أريد أن أوجهه إلى كل امرأة تخرج إلى العمل في الصباح، ثم تغادره لترافق الصديقات للتسوق، ثم تشتري عشاء جاهزا ـ و قد تتصل بزوجها لتطلب منه بلطف أن يعد العشاء بنفسه أو يشتريه، أو تتناول عشاءها في الخارج، و يتعشى زوجها في بيت والدته ـ ثم تعود إلى البيت متعبة، برمة. لا يرى زوجها ابتسامتها، لأنها لم تعد تجد الطاقة الكافية لتشغيل محركات الابتسام...

لماذا تزوجت؟ سؤال أوجهه إلى كل رجل يقضي سهراته بين المقهى و بيوت الأصحاب، و عطله الأسبوعية، بين الملاعب و قاعات الرياضة. يدخل البيت كأنه يدخل فندقا، لمجرد الأكل و النوم. يرى أطفاله مرة في الأسبوع، لأنهم يكونون نائمين حين عودته متأخرا كل ليلة... و تتلخص الاجتماعات العائلية لديه في جلسة أمام التلفاز.

لماذا تزوجت؟ سؤال لكل زوجين، لا يتكلم أحدهما إلا ليلوم الآخر و يعاتبه... لأن البيت غير مرتب، لأن المصروف لا يكفي، لأن آلة الغسيل معطبة، لأن الطعام قد احترق، لأن الأطفال لا ينجحون في دراستهم، لأن الابن الأصغر مدلل جدا، لأن برامج التلفزة مملة، لأن اقتصاد البلاد في تدهور، لأن سعر الدولار قد انخفض، و لأن الأوبئة انتشرت في القارة السمراء و الفيضانات تشرد الملايين في باكستان !

لكنني أوجهه أيضا، إلى كل من اختار شريك حياته لجمال شكله، لمركزه الاجتماعي المرموق، لسيارته الفارهة و منزله الفاخر أو لعراقة نسبه و أصالة عائلته... ثم تأتي هي باكية، لأنه منعها من ارتداء الحجاب، لأنه يلعب القمار و يعاقر الخمر إلى ساعات الصباح الأولى، لأنه يضربها في ساعات لاوعيه، لأنه يمنعها من زيارة أهلها و يهين كرامتها... و يأتي هو منهارا، لأنها أفسدت الأولاد بتربيتها المتفتحة، لأنها تخالط الرجال و تبادلهم الضحكات و النكات في العمل، في الشارع و في الأماكن العامة، لأنها تبذر المال الذي يجمعه بكد و تعب للعناية بنقاء بشرتها و تصفيف شعرها و شراء ما غلا من حلي و ثياب تتباهى بها أمام صديقاتها...

لماذا تزوجت يا هذا؟ لماذا تزوجت يا هذه؟

قال رسولنا الكريم عليه أشرف الصلاة و أزكى السلام : ((تنكح المرأة لأربع، لمالها و لحسبها و لجمالها و لدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك.))

و ذات الدين، ليست تلك التي ترتدي حجابا قد تتسلل من تحته بضع خصلات و تزين وجهها بأرطال من الأصباغ في كل المناسبات، و قد ترجع إلى البيت في وقت متأخر من الليل، لأن أهلها يضعون فيها ثقة عمياء. و ذو الدين ليس ذاك الذي يصلي فرضا قد يؤخره عن موعده حتى لا يفوت مباراة كرة أو سهرة مع الأصحاب، و قد يستهل إفطاره بسيجارة تلو السيجارة في شهر الصيام. بل هو من ترك الدين أثره في أخلاقه و معاملاته. من يحمل همّ الدين في قلبه. من يفكر في الزواج كوسيلة ليعف نفسه، و ينفع أمته، و يجد رفيق درب يعينه على الطاعة و حسن العبادة... و ليس كغاية في حد ذاته.

فلتفكر مليا، و لتفكري يا أختي... قبل أن تختار التقدم إليها، و قبل أن تقولي نعم !


12 comments:

  1. tu as raison de t'étonner autant, c'est devenu très courant ce genre de choses, je ne sais pas pourquoi précipiter le mariage alors s'ils comptent se séparer des années durant ! héthi el kol thi9a 3amya wala bhéma w 9ellet wa3y ?

    Sinon euh quand tu dis : "و ذات الدين، ليست تلك التي ترتدي حجابا ... و قد ترجع إلى البيت في وقت متأخر من الليل، لأن أهلها يضعون فيها ثقة عمياء"

    c'est moi puisque je travaille et je fais la navette :byewa3:

    J'ai trop aimé ta passion dans cet article, ton empotement, bonne continuation sœurette :)

    ReplyDelete
  2. Tu sais que je ne parle pas de ce genre de circonstances, mais plutôt de celles qui partent en soirées ou pour s'amuser ;) et puis, toi tu ne rentres pas "tard dans la nuit" ! non ?

    ReplyDelete
  3. Pour l'emportement, en réalité j'ai eu du mal à me contenir lors de la conversation. Si elle n'était pas mon invitée, je ne sais pas comment ça aurait pu finir entre nous lol.

    Elle disait que la distance ravive les sentiments, et qu'ils vivront à chaque rencontre une nouvelle lune de miel ! Oui, peut être, mais ils ne se connaitront jamais l'un l'autre. Et le jour où ils auront à s'installer comme un couple normal, ils seraient comme deux étrangers, qui débutent la vie commune, après tant d'années de mariage !!

    ReplyDelete
  4. طلعت الحكاية صايرة بالحق؟....شفتها في مسلسل سوري...زوز يعيشو كل واحد في دار يتقابلو كل مرة على أساس حب جديد لكي لا يفتر بالروتين...لكنها علاقة بعيدة عن الزواج وتطبيق غايته ومفهومه كسكن ورحمة...
    حسيتك كيفي تحب تهز وتنفض العبد الي يشكي ويبكي من شريك حياتو ومن عيوبو إلي كانت أساس إختيارو وإنبهارو بيه
    ربي يباركلك

    ReplyDelete
  5. الحكاية حقيقية للأسف. الزوج مغلوب على أمره، يتمنى إنجاب طفل أو اثنين و يمني نفسه بالاستقرار. لكنه في نفس الوقت يعلم مدى طموحاتها و كان زواجهما قائما على هذا الاتفاق...

    الزواج قرار راشد و مسؤول، لذلك على كل طرف أن يتحمل نتيجة اختياراته. لكن هناك حالات نادرة يتغير فيها أحد الطرفين بعد الزواج، أو يكشف عن جانب كان يحرص على إخفائه... فتحصل مآسي حقيقية، حمانا الله و إياكم منها. لذلك كانت هناك الاستخارة و الدعاء. نسأل الله أن يهدينا جميعا إلى القرارات الصائبة

    ReplyDelete
  6. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    بارك الله فيك أختي الحبيبة وبارك لك وأسعدك في الدنيا والآخرة
    وبورك قلمك الذي خط هذا الكلام الرائع

    ReplyDelete
  7. و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

    أم عبد الهادي شرفتني بنفسها في مدونتي المتواضعة؟ لا أصدق عيني :) سعيدة جدا بزيارتك، و بتعليقك أختي الحبيبة... و أرجو أن يحلو لك المقام و تكثري من هذه المفاجآت السارة :)
    بارك الله فيك

    ReplyDelete
  8. Ça fait mal au coeur, vraiment c inquiétant ce qui se passe... En principe c 'est la femme qui attend avec impatience le jour ou elle mènera une vie stable avec un mari qui prend soin d'elle et qu'elle lui partage sa vie et encore plus, le jour ou elle deviendra une mère prête a tout sacrifier pour son bébé...
    La on voit des changements fil " fetra" ou koi??
    rabbi yostorna w ythabbatna 3a sirat almosta9im

    ReplyDelete
  9. @khallou :
    للأسف، الفطرة آخذة في التشوه مع الكثير من الظواهر الغريبة التي نراها خاصة في الغرب. لكن المصيبة أن الفتيات المسلمات يتأثرن بفكرة الطموح الأوروبية و يعدن ترتيب أولوياتهن على ضوء هذه الأفكار...

    هدانا الله و إياكم إلى ما يحبه و يرضاه

    ReplyDelete
  10. كان زواجهما قائما على هذا الاتفاق
    j'estime que la femme était claire et honnête dès le début, et le mari a manifesté son consentement. Donc, a priori, cette situation ne doit pas le gêner.
    En toute objectivité, je pense que chaque couple a sa recette de bonheur. Par exemple, certaines femmes préfèrent aller jusqu'au bout dans leurs études et se consacrer par la suite à leurs familles. D'autres trouvent leurs épanouissement dans le fait de concilier famille et travail même si c'est pas évident. Mais elles assument quand même leurs choix. Pareillement, certains hommes préfèrent que leurs femmes restent à la maison. D'autres estiment qu'ils seront heureux quand leurs femmes travaillent.

    Je connais des femmes qui, encouragées par leurs maris, sont parties continuer leurs études dans un autre pays.

    لكن المصيبة أن الفتيات المسلمات يتأثرن بفكرة الطموح الأوروبية

    L'ambition est un concept universel, ce n'est pas une calamité, car à mon avis , après la foi, c'est avec les ambitions qu'on avance dans la vie. L'ambition devient calamiteuse quand elle menace notre croyance , nos principes ou dans ce cas précis de mariage, la relation et la complicité entre le couple.
    Mais si les deux partenaires s'entendent sur le fait que chacun sera prêt à accepter voire à contribuer à la réalisations des projets de l'autre. Dans ce cas, il est bien fondé.

    Il me semble donc, que la définition du bonheur varie d'un couple à un autre. Il n y a pas une recette de bonheur unique qui s'applique à tout le monde.
    C'est normal :), puisque chaque couple a un environnement, un tempérament et une façon de voir les choses qui le caractérisent par rapport aux autres :)

    Mes souhaits d'entente et de bonheur pour tout le monde :) INCHALLAH

    ReplyDelete
  11. مرحبا بك يا أنت مرة أخرى :)

    لست أدري إن كان بالإمكان الحديث عن "زوج" إذا كان كل طرف يختار العيش بعيدا عن الطرف الآخر، تفصلهما آلاف الكيلومترات؟ أتفهم تماما بعض الوضعيات الخاصة، حيث يضطر أحد الطرفين على الابتعاد لبضعة أيام في الأسبوع و ينتظر بفارغ الصبر نهاية الأسبوع ليلتقي بشريك حياته... لأنه سبق و التزم بعمل ما و يلزمه بعض الوقت حتى يمهد للاستقرار التام. لكن أن يقوم بذلك باختياره، و على امتداد سنوات؟ أجد صعوبة في تفهم ذلك!

    تكلمت عن الطموح على الطريقة الأوروبية، لأنني أجد فرقا بين طموح المرأة المسلمة و المرأة الأوروبية :) لست ضد الطموح بشكل عام، بالعكس. ففي حديث الرسول (ص) : "لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء." يقصد علو همة الصحابة و ارتفاع طموحهم. و أنا أحيي همة كل امرأة تنافس الرجال في طموحهم و تسعى بالارتقاء بنفسها في كل المجالات.

    لكن الطموح الغربي بصفة عامة يختلف، باختلاف الثقافة و المبادئ... و الأولويات. ففي حين تستغني الأوروبية عن العائلة و الرجل و تسعى إلى إنجاب طفل بدون أب، حتى لا يعطل مسيرتها نحو النجاح المهني، و قد تعيش مع الرجل لسنوات طويلة بدون أية التزامات حتى يتسنى لكل منهما الانفصال وقتما يشاء، دون تبعات قانونية أو اجتماعية... فإن المسلمة تضع عائلتها في أعلى قائمة أولوياتها. لأن نواة المجتمع في الإسلام ليست الفرد... بل العائلة!

    ثم لننظر عن كثب إلى مفهوم الزواج في الإسلام... أليس هو ما وصف بالسكن، المودة و الرحمة؟ فكيف يكون سكنا حين لا يجد أحد الطرفين الآخر حين يحتاج إليه؟ كيف يكون سكنا حين يلتقي الزوجان كغريبين كل شهرين أو ثلاثة، لا يشارك أحدهما هموم الآخر و لا أفراحه؟

    ربما... ربما كان مفهوم السعادة الزوجية مختلفا من زوج إلى آخر. لكن ليس بهذا الشكل، ليس حين تختلط المفاهيم و لا يبقى من الزواج سوى الهيكل و العقد المكتوب!

    شكرا مجددا على المداخلة الطيبة و إثراء الحوار :)

    ReplyDelete