حب من النظرة الأولى؟

حدثتني إحدى صديقاتي اللواتي سبقنني بالزواج فقالت : حين التقيت بزوجي للمرة الأولى، كان هو يقف على رصيف المحطة بانتظار القطار، في حين كنت أنا أنزل من إحدى العربات. كنت أتلفت حولي بحثا عن رفيقتي التي تواعدت معها على اللقاء هناك، على الرصيف، فلم أنتبه إلى نظراته التي كانت تتابع حركاتي. ما إن رأيتها حتى لوحت لها و ابتسمت. و كانت تلك اللحظة الحاسمة في حياتي. فما إن لمح ابتسامتي حتى قال في نفسه : هذه هي الفتاة التي أريدها زوجة ! و لم تمض فترة بسيطة إلا و كنا قد ارتبطنا...

قصة حقيقية، تشبه في تفاصيلها الكثير من الروايات و الأفلام، عن الحب من أول نظرة. قصة جعلتني أحلم. أحلم بالشخص الذي سيشدني من اللفتة الأولى، و يهتم بي من أول لقاء... ذلك الشخص الذي سأحس مباشرة بأننا خلقنا لنكون معا، توأم روحي و رفيق عقلي ووو... لكنها بقيت مجرد أحلام.

حين سألت زوجي لاحقا : متى أدركت أنك تحبني؟ تأخر في الرد، و أخذ وقتا من التفكير، ثم قال ببساطة : لا أدري ! أحسست ببعض الخيبة. تمنيت إجابة أكثر رومانسية، و أكثر إرضاء لغروري الأنثوي. لا، لم يكن زواجي مبنيا على حب من النظرة الأولى... و لا الثانية و لا الثالثة ! و لم يكن بوسعي أن أغضب منه، فلو كان هو سألني ذات السؤال، لحرت في الجواب أنا الأخرى ! لقد تطلب مني الأمر بعض الوقت لأدرك رغبتي في الارتباط بذاك الشخص. و مررت بمراحل متعددة قبل أن يتسلل الحب إلى قلبي. لم تكن قصتنا من قصص الأحلام... لكنها قصة من صميم الواقع.

كان الارتياح هو أول المشاعر التي راودتني ـ بعد أن تخطيت عتبة التعارف و القبول ـ فهو إنسان هادئ الطبع لا تفارق الابتسامة محياه. و كان يناسبني في كل شيء. لم أحس معه بأنني في حاجة إلى التجمل أو التصرف على غير عادتي. كان علي فقط أن أكون كما أنا، بنزواتي و تقلباتي المزاجية، و بكل عيوبي التي أدركها في نفسي. و كان يقبلني كما أنا. و لعل الانطلاقة الحقيقية كانت حين بدأت أحب نفسي حين أكون معه. أحب الأوقات التي نقضيها معا، خاصة حين يعلمني. بدأ يعلمني التجويد، و صرنا نحفظ القرآن و نراجعه معا على الهاتف. كانت تلك هي البداية، حين اجتمعنا على ذكر الله.

لكن تلك لم تكن سوى مقدمات. فالحب الحقيقي لم نعرفه وقتها. بل جاء متأخرا. لم يأت في فترة الخطوبة و لا في فترة العقد... بل بعد الزواج. هو ذاك الإحساس الذي يقذفه الله في قلبك بدون مقدمات. لا تدري من أين و لا كيف تولد. لكنك تحس بأنه كان دائما هناك، منذ زمن طويل.

ابتسمت بعد أن قرأت الأسطر الأخيرة مجددا... كأنني أصف الحب من أول نظرة؟ نعم... حب من أول نظرة، بعد الزواج !

كثير من الفتيات اليوم يرفضن الارتباط بشخص لا يحببنه. لأن المشاعر بالتأكيد هي ضمان الاستمرار في العلاقة الزوجية. لكن ليس ضروريا أن يبنى الزواج على عواطف متأججة، بل الضروري هو أن نزرع الحب بأيدينا في بيوتنا، و نتعهده بالعناية و الرعاية كل يوم... و لذلك أثر يشبه السحر، غير أنه سحر حلال، يباركه الله تعالى و ينميه.

و الكثيرات للأسف لا يميزن بين المشاعر المبنية على أسس سليمة من الانسجام و التآلف و التوافق في مختلف المجالات... و تلك التي تأتي كريح عاصفة تهز القلب و الكيان و تشوش التفكير، فلا تفرق بين النزوة العابرة و العاطفة الثابتة. و كما تأتي العاصفة فجأة، ترحل فجأة... مخلفة وراءها آثارا دامية في قلب خال مقفر...

فاتقوا الله في قلوبكم، و لا تسلموها بسرعة... لأول بائع هوى.