Friday 3 December 2010

قولي أحبك...


ـ أحبك...

قالتها بشيء من الخفر. توردت وجنتاها و هي تحتضن هاتفها في سرور، و تطلق ضحكة عذبة اهتز لها و لا شك قلب مستمعها. اقتربت منها في شك و في عيني تساؤل و استنكار، فخفضت صوتها و وشوشت، ثم سارعت بإنهاء المكالمة. سألتها : مع من كنت تتحدثين؟

قالت في دفاع : خطيبي !

و كأن الحديث قد انتهى، ابتعدت و هي تضغط بأناملها الرقيقة على أزرار الهاتف. ربما كانت تكتب رسالة حب جديدة. لأنه خطيبها، فمن حقها أن تبادله كلمات الحب و الغرام. لأنه خطيبها فلا شيء يمنعها من التصريح بمشاعرها. فهو سيكون زوج المستقبل، أليس كذلك؟

أصررت هذه المرة : إنه خطيبك و ليس زوجك ! فلماذا لا تحتفظان بهذه الأحاديث العاطفية حتى يحين وقتها؟

قالت في ضيق : لكن هذا هو وقتها ! أليست فترة الخطوبة هي فترة التعبير عن المشاعر؟ إن لم أسمع كلمات الحب منه و لم يسمعها مني، فكيف أضمن أن تكون مشاعره ناحيتي ثابتة لم تتغير؟ ثم، إن لم يقلها الآن، فربما لا أسمعها منه فيما بعد. فالرجال يميلون إلى الصمت بعد الزواج !

طال الحديث بيننا لدقائق أخرى. لكنها ظلت على عنادها...




كلمات الحب، لم تكن تنتمي إلى قاموسي قبل الزواج. لم أقل يوما أحبك لأي كان... سواء من أفراد عائلتي أو من صديقاتي، فضلا عن الجنس الآخر ! ليس لأني شحيحة المشاعر، و لا لمعاناتي من جفاف عاطفي... لكن تلك الكلمات كانت ثقيلة على لساني. لم أتعود عليها. و حين كنت أحاول تجربتها في خلواتي، كنت أجدها ركيكة، سطحية، بلا معنى!   حتى حين كنت أنجح في التعبير عن الحب في الله كتابة، فإن التعبير الشفوي تبقى له رهبته الخاصة...

ربما لأنني نشأت في محيط عائلي متحفظ لم يشجعني على التعبير. والدتي و والدي ـ حفظهما الله ـ لم يكونا مسرفين في الحب و الحماية. كان هناك قدر كاف من الحنان، دون مبالغة. و كنت و إخوتي نجد ذلك طبيعيا. دأبنا جميعا على التعبير عن الحب بالأفعال قبل كل شيء. فاهتم كل منا بتحصيل النجاح لإدخال السعادة على قلوب أفراد العائلة. ثم كانت هناك الهدايا، رغم بساطتها، و اللفتات الحانية، التي تأتي في وقتها. تكاتف و ائتلاف، مما لا يدع شكا في متانة عائلتنا. و الابتسامة كانت سفير المشاعر الدائم بيننا. أما التعبيرات الجسدية التي تترجم الحب الجارف الذي نراه على شاشات التلفزة، فلم تدخل بيتنا. فكان التربيت على الكتف أو الرأس يعوض العناق الحار في كل حين، و كانت القبلة على الخد تقوم مقام اعترافات الحب الطويلة.

هكذا كبرت، دون أن يساورني شك يوما بأنني ذات تكوين نفسي غير طبيعي أو معتلة الصحة العاطفية. بل كثيرا ما كنت أنظر بعيني الدهشة إلى صديقاتي اللواتي يتبادلن عبارات الحب الحانية بطلاقة، و يشععن طاقة عاطفية ! لم أكن أشك في صدق مشاعرهن الصافية، لكنني في قرارة نفسي كنت ألمس نوعا من الإسراف و المبالغة. أليست هناك طريقة أخرى للتعبير غير العناق في الطرقات العامة و إطلاق اللسان بما يربك و يخجل؟

ذات مرة، خاطبتني إحدى صديقاتي بلهجة جادة. قالت أن كل من يراني عن بعد يراني شديدة الجدية. و هي نفسها لو لم تتعرف إلي عن قرب، لما غيرت فكرتها عني. و أن طبعي هذا لا يشجع الشباب من الجنس الآخر على الاقتراب مني و التعرف علي... و قد ألقى لاحقا صعوبات في التعامل مع شريك حياتي. فالاتزان و التحفظ قد يترجمان إلى برود و لامبالاة، قلة اهتمام، جفاف عاطفي، انزواء اجتماعي... إلى غير ذلك. 

ظللت لفترة أتساءل... هل يجب أن أتغير؟ ما الذي ينتظره مني زوج المستقبل؟ كانت لي طريقتي في التعبير عن مشاعري، فهل يجب أن أغيرها؟ أضيف بعض البهارات ربما؟ لكنني لم أستطع أن أغير شيئا... و بقيت التساؤلات معلقة.

ثم تعرفت إلى زوجي. كان شخصا يشبهني في خجله و تحفظه. و لم تُطرح طاقتي العاطفية أبدا على طاولة النقاش. ثم تزوجنا. و رويدا رويدا جاءت كلمات الحب الأولى. لم تأت دفعة واحدة. بل متمهلة حيية خجلى. لم نستعجلها، بل تذوقنا كل واحدة منها على حدة، و كان طعمها مختلفا في كل مرة. متعثرة أحيانا، أكثر ثقة أخرى. لم نكن قد احترفناها سابقا، فكان للتجربة أثر فريد. في الحقيقة، لم نكن في حاجة إلى تدريب مسبق و لا إلى دورات لهزم الخجل. مشاعرنا وحدها كانت كافية. ثم كان هناك التعود و الألفة. و وجدت لساني ينطلق... بكلمات لم أعد أجدها ركيكة و لا سطحية. لأنها في محلها، و في وقتها، و لمن يستحقها. اكتشفت قدرة على العطاء في داخلي لم أعهدها. قدرة في تنام مستمر، أكاد أجزم معها أنني تغيرت من الداخل دون أن أدري.

ربما كان البعض يجد صعوبة خاصة في مصارحة شريك الحياة بمشاعره، و ربما تقف العادة و التربية حاجزا لدى البعض الآخر... لكن الأرجح هو أن كل رواسب الماضي و كل الطباع الأصيلة و المكتسبة ليست سببا كافيا لليأس و الاستسلام. المبادرة الأولى قد لا تكون يسيرة، لأنها تكون تحديا للنفس قبل كل شيء. لكن ما إن تتم الخطوة الأولى حتى نتجاوز الخجل و الخوف من نظرة الآخر. ثم هناك المشاعر الصادقة التي تدفع إلى إدخال السرور على قلب من نحب. لكن الأهم هو أن نؤمن بقدرتنا على التغيير... بالقدر المناسب، و في الوقت المناسب...

"التمرينات المكثفة" خلال فترة الخطوبة ليست الحل لمشكلة التعبير هذه، حيث تصبح الكلمات مستهلكة و فاقدة لمعناها. ثم قد يعتقد البعض بأنه "أدى الواجب" و انتهى منه، بانتهاء فترة الرومانسية و المشاعر. فيعود إلى طبعه الصامت، و يعجب من مطالبة الطرف الآخر المستمرة بالمزيد من كلام الحب. عجبا... ألم يسبق له أن عبّر بما فيه الكفاية في فترة الخطوبة؟

صديقتي الغارقة في الحب انتهت بالانفصال عن خطيبها. فرحت كثيرا من أجلها. لأنها أدركت أخيرا أن الزواج لا يبنى على كلمات حب خاوية تتغنى بها صباح مساء... و أن الرجل الذي يفقدها حياءها و يبتز مشاعرها قبل أن يكون له الحق فيها، لا يمكن أن يكون أمينا عليها و قادرا على الحفاظ على عفافها...

4 comments:

  1. j'adore :fifi: bon ça me rappelle des souvenirs sur kafta lool quand tu m'as dit que tu étais incapable d'exprimer tes sentiments, ... maintenant avec cet aperçu historique je comprends mieux lol et je respecte ! Dans ma famille c'est plutôt mon père qui ne montre pas ses sentiments, surtout les bisous .. c'est pas son genre, mais avec mes soeurs on s'entrelace au moins une fois par semaine quand on se retrouve le weekend, j'aime bien cette chaleur qui se dégage, ce "hug" les bisous les embrassades sur els joues ça ne suffit pas parfois !

    MAintenant concernant les hommes-femmes ben je ne peux qu'approuver ta position, mais je ne nie pas qu'on aime toutes entendre des mots doux, cependant chaque chose en son temps, les fiancés devraient comprendre qu'ils restent des "étrangers" jusqu'au mariage ! On peut dire des douceurs mais très fines dans le respect et la discrétion, on peut surtout montrer son amour par les gestes, les actes, par juste un regard pas besoin de s'enflammer à coups de murmures téléphoniques nocturnes, yelzem netta9iw RAbi !

    ReplyDelete
  2. Dans ma famille, c'est ma petite sœur qui est la plus sentimentale... et j'avoue que ça me gênait un peu avant lol. Depuis mon départ en France, c'est devenu différent. J'ai commencé à m'exprimer un peu plus, par besoin, histoire de m'approvisionner pour les nuits solitaires :)

    al7amdoulellah, je n'ai aucun regret sur ce point. On change un peu, on s'adapte, quand il le faut :)

    ReplyDelete
  3. Moi aussi je ne suis pas du genre a exprimer facilement ce que je ressens sauf envers ma mère bien évidemment! Avec mes meilleures amies, j’avais du mal a leur dire combien elles comptaient pour moi et pourtant c’était pas les sentiments qui manquaient mais soubhan allah après m’être mariée, tout ça a changé, je me reconnaissais pas lol j’avais besoin d’extérioriser tout ce que je ressentais envers mon époux, il fallait que je le lui dise, c’était spontané et tout à fait naturel et j’avais surtout besoin d’entendre des mots doux parce que on se dit après toutes ces années ou on se préserve pour l’homme de notre vie, l’unique qui a su fait battre notre cœur, on mérite un peu… bref moi j’avais l’impression que si je gardais ça pour moi, que ça allait m’étouffer mais je pense que en fait j’ai fini par étouffer mon époux, il n’a su me dire je t’aime que deux fois après un an et demi de mariage. Il me dit que c’est les gestes qui comptent mais ça c’est une autre histoire ! Aujourd’hui, je me retiens, je me dis que j’en ai abusé et qu’il faut que je fasse un effort et apprendre a ne rien dire et pourtant dieu sait que j'ai tellement de choses à dire…
    Ne trouves pas tu ça triste ?

    oum hamza:)

    ReplyDelete
  4. أختي أم حمزة،
    لا شك أن الرجال جميعا ليسوا على نفس الطباع، فمنهم الكتوم و الخجول و الذي تمنعه تربيته و تراكمات ماضيه من التعبير، و المرأة عليها أن تتعامل مع زوجها حسب طباعه، دون أن تضغط عليه أو تحرجه.

    أتفهم خيبتك بعد انتظار طويل لفارس الأحلام لتشاركيه المشاعر و الأحلام. في الحقيقة، لا أملك وصفة سحرية للتأثير في طباع الغير، و ليست لدي الخبرة الكافية لنصحك بهذا الصدد... لكنني أعتقد أننا نحن معشر النساء ننتظر الكثير من الزوج و أحيانا نعلق آمالا ذات مستوى مرتفع عليه، فإذا لم نجد فيه جميع المواصفات أصبنا بالإحباط.

    عزيزتي، إن كان زوجك ذا أخلاق طيبة، يعاملك بالحسنى و يخاف الله فيك، و يعبر عن مشاعره بالتصرفات أكثر من الكلام، فاحمدي الله على ذلك ليلا و نهارا... فهي نعمة لا تحضى بها كل النساء و الله! انظري إلى الجانب الحسن فيه و ركزي عليه، فسترين أن إحساسك بالرضا و القناعة سيتنامى يوما بعد يوم. أما النظر في النقائص و الأحلام فهو من المنغصات لا شك.

    ملاحظة أخيرة، لا أعتقد أن كتمان ما في قلبك في نفسك هو الحل. عبري، و لا تنتظري منه ردا و لا تجاوبا، فقط كوسيلة للتنفيس عما بداخلك. و ربما يأتي يوم تجدينه فيه يتجاوب معك بكل تلقائية :)

    كان الله في عونك، و أصلحك لزوجك و أصلحه لك

    ReplyDelete