Tuesday 21 December 2010

كلمات... ليست كالكلمات





ـ جزاك الله خيرا...

قالها حين وضعت أمامه طبق الطعام و ابتسامة ممتنة تزين شفتيه. لم أملك إلا أن أبتسم بدوري، رغم الألم الذي أصبح يلازمني في أعلى الفخذ كلما أطلت الوقوف في المطبخ. سألني في اهتمام و هو يلاحظ العرج الخفيف لساقي اليسرى :
ـ أنت بخير؟

تذكرت "المونولوج" الطويل الذي أعددته في نفسي للشكوى من الإرهاق بين عملي خارج البيت و داخله، و العتاب الثقيل حول عدم اهتمامه و إهماله و إلقاء الحمل علي وحدي... لكنني اكتفيت بابتسامة خفيفة و أنا أقول مهونة :
ـ تعب بسيط... سيذهب عني بعد وجبة جيدة.

وجدته يمسك بيدي و يجلسني إلى جانبه و هو يقول :
ـ ارتاحي أنت بعد العشاء... سأقوم بغسل الأطباق و تنظيف المطبخ.

و بدل أن أغتنم الفرصة التي جاءت دون عناء، هتفت في إصرار عجيب :
ـ أنا بخير حقا... لا تشغل نفسك بهذا، سأنتهي من كل شيء بسرعة.

تلك الليلة، و ككل ليلة، قمت بغسل الأواني و أعددت علبة غدائي و غدائه، قبل أن أنضم إليه في جلستنا الاعتيادية أمام التلفاز. قمت بذلك دون أدنى تذمر أو عصبية. كنت أشعر بالرضا رغم ألمي. فكأن كلماته اللطيفة كانت كفيلة بتهدئة كل الغضب الذي كان يعتمل بداخلي. هل كنت حقا أريد أن نتقاسم الأدوار في شغل البيت... أم أنني كنت أريد بعض العرفان، فقط لا غير؟ لكن الأكيد هو أنني اكتفيت باستعداده للمساعدة، و لم أطالب بتحويلها إلى فعل حقيقي...

في الغد، كنت لا أزال أفكر في تنازلي الساذج و اكتفائي بمجاملته اللطيفة، حين وصلت إلى مدخل الجامعة. لمحت عاملة التنظيف منهمكة في مسح الأرضية عبر الواجهة الزجاجية، ثم رأيت أحد الأساتذة يعبر الممر بخطى مسرعة، تتبعه نظرات العاملة الساخطة. توقفت عن العمل للحظات لتتمتم ببضع كلمات مبهمة تنم عن انزعاجها، ثم أطلقت تنهيدة طويلة قبل أن تغمس الممسحة في دلو الماء من جديد في حركة عنيفة. 

توجست خيفة و قد أدركت ما ينتظرني أنا الأخرى من وابل الغضب... و ما إن دفعت دفة الباب حتى وجدتها ترفع رأسها و تحدجني بنظرة مستهجنة. كان علي أن أعبر الممر الذي انتهت هي للتو من مسحه، للمرة العاشرة ربما... و لم تكن تلك عملية هينة. ابتسمت و أنا أحييها، ثم اهتممت بتنظيف أسفل حذائي في المدخل تحت معاينتها الدقيقة. كنت أريد أن أريها مدى احترامي لعملها. و حين مررت إلى جانبها توقفت للحظات لأقول بلهجة معتذرة :
ـ آسفة لأنني مضطرة إلى إفساد عملك... لكن لا يوجد طريق أخرى حتى أصل إلى مكتبي !

فما لبثت تكشيرتها أن تحولت إلى ابتسامة و هي تقول في لامبالاة :
ـ لا عليك... فأنا لم أنته من التنظيف على أية حال !

لم تفارق الابتسامة شفتي و أنا أبتعد عنها بخطوات واسعة. هل كانت هي الأخرى في حاجة إلى بعض العرفان حتى يتحول سخطها إلى رضا؟ لم تكن العملية معقدة، و لم تتطلب مني جهدا كبيرا. بضع كلمات بسيطة لا تكلفني شيئا، كانت كافية لتعيد إلى العاملة اعتبارها، و تشعرها بالرضا و هي تعيد تنظيف الممر من جديد.

شكرا. آسفة. من فضلك. عفوا. جزاك الله خيرا. بعد إذنك. عمل جيد. أحسنت. معذرة. ما شاء الله. جميل... كلمات تمرنت على توزيعها طوال اليوم، و كنت في كل مرة أدهش من البصمة الإيجابية التي تتركها من حولي.

حين اتصل بي زوجي في فترة بعد الظهر من ذاك اليوم، بادرني على الفور بسخائه الاعتيادي :
ـ كان الغداء لذيذا... سلمت يداك.

نظرت إلى علبة الغداء الخاصة بي و التي لا تزال نصف ممتلئة. حسن، لم أكن شديدة الرضا عن وجبة الغداء تلك، لكنني سررت لمجاملته. كان ذلك طبعه، الكلمة الطيبة تسبق النقد على لسانه. و كنت و لازلت أتعلم منه الكثير. سألني بصفة روتينية قبل أن ينهي المكالمة :
ـ هل تحتاجين شيئا أحضره في طريقي إلى البيت؟

تذكرت المعطف الذي تركته عند الحائكة لبعض التصليحات، و كان يجب أن أمر لأخذه منذ يومين. قلت في رقة :
ـ هل يمكنك المرور إلى محل الخياطة لاستلام معطفي؟

لم يكن المحل في طريق عودته، لكنني كنت مضطرة إلى التأخر بصفة استثنائية ذلك اليوم، و قد أصبحت في حاجة إلى المعطف مع اشتداد موجة البرد. حين لمست التردد و الامتعاض في صمته، هتفت على الفور :
ـ إن كان ذلك يشق عليك، فلا بأس... سأمر عليها في الغد.

قال في تسليم، و قد غلب مزاجه الحسن على انزعاجه من المسافة الإضافية التي سيكون عليه قطعها :
ـ لا بأس... سأفعل. هل من طلب آخر؟

لم يكن صوته ينطق بالسرور، لكنني قلت في امتنان :
ـ أنت رائع يا عزيزي... لا تنس أن تحاسبها...

قال الله تعالى (( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها و يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ))


10 comments:

  1. aaaaaaaaaah ref9An bel 9Awaryr
    yaatik alf sa77A

    fakkretni b video choftHA, eeli fiha kolw a7Ed wa9Ef bloqué en attendant kelma tayba traja3 fih ERU7!!

    Rabbi ybarekleHA fi zawjHA

    ch9Awlek fel azwej eli ya3rfu el 9yma hadhy, ama yetkalmu bi KOL SARAHA, w yon9du el ta3am 9bal chokrih

    Rabbi ydym el 3echra etayba

    ReplyDelete
  2. tu me donnes envie de me marier :D ( comme si ça ne dépendait que de moi :p )
    Rabbi yberkelkom w yhannikom ^^
    mais je pense que tu devrais lui permettre de t'aider dans les différentes tâches , même si tu éprouves du plaisir en le faisant.. ;)

    ReplyDelete
  3. Ton article c'est ce qu'on appelle aussi "kalima tayba" ya enti ya tayyiba :D

    جزاك الله خيرا يا أختاه

    ReplyDelete
  4. @Hajer :
    ربي يهدينا و يهدي أزواجنا للخير :)
    نتذكر فيديو متاع أحد الدعاة، يقول فيه الي المرأة لو قامت بتحريك جبل من مكانه فقال لها زوجها جزاك الله خير و بارك الله فيك، لقالت : لم أفعل شيئا يستحق الشكر، و كل شيء يهون من أجلك :)))

    الكلمة الطيبة مثل العدوى، إذا سمعتها تتأثر بها و تنشرها من حولك. إذا بادر أحد الزوجين، فالطرف الآخر سيتجاوب بالتأكيد... لأن تأثيرها كالسحر

    @Lili :
    ربي يرزقك الزوج الصالح الي يحفظك و يقدرك حق قدرك :)
    المقالات لا تتحدث بالضرورة عني و عن تجربتي الشخصية :) زوجي و الحمد لله يساعدني في أعمال المنزل. الشيء الوحيد الذي لا يفعله هو الطبخ هههه

    @Prima :
    ربي يجازيك انت كل خير و يعطيك الوقت الطيب :)

    ReplyDelete
  5. بارك الله في قلمك وجعل نصائحك في ميزان حسناتك
    قال رسول الله (ص) :الكمة الطيبة صدقة

    ReplyDelete
  6. ya3tik essa7a pour la note, comme toujours on arrête pas de faire une pause dans notre vie et de faire un bilan grâce à tes mots

    bravo encore une fois

    ReplyDelete
  7. الأية إلي حطيتها سيادتك من أقوى الأيات في نظري ... يمكن تطبيقها على كل "نوع" من المعاملات البشرية ...
    تدوينة متميزة بصراحة ... ربي يوفقك إن شاء الله

    ReplyDelete
  8. @إيمان
    تقبل الله منا و منكم :) فكلماتكم و دعاؤكم ماهو إلا كلمات طيبة، في ميزان حسناتكم إن شاء الله

    @Venus :
    الحمد لله :) بذلك تكون التدوينة قد حققت الهدف منها
    أهلا بك دائما و بإطلالتك الطيبة

    @ بنفسجيست
    بالطبع الآية مطلقة، و أنا لم أحصرها في التعامل بين الزوجين و الدليل، التجربة التي ذكرتها مع عاملة التنظيف
    لكن الغريب أحيانا، هو أننا نطبق اللياقة و اللباقة مع الغرباء، لكننا نضن بها على أقرب الناس إلينا بدعوى أننا لسنا في حاجة إلى "الرسميات" و الديبلوماسية معهم. و ننسى أن ديمومة العلاقة و استمراريتها ترتكز على هذه التفاصيل البسيطة في الحياة اليومية.

    جزاك الله خيرا على المرور الكريم، و التعليق. وفقنا الله و إياكم إلى ما يحبه و يرضاه

    ReplyDelete
  9. كما يقال "هذه بتلك" هههه
    مدونة ممتازة
    باراك الله لك

    ReplyDelete
  10. @Yosri :
    مرحبا بك أولا، و جزاك الله خيرا على التعليق
    ثانيا، ملاحظتك جعلتني أطمئن إلى أن الدعابة الصغيرة التي أوردتها في نهاية التدوينة قد انتبه إليها أحد القراء على الأقل :)
    شكرا لمرورك و أهلا بك دائما

    ReplyDelete